الاثنين، 22 يونيو 2015

رواية بلاتوه... الفصل الثانى

( 2)
كانت نادين مازالت مستيقظة عندما شعرت بدخول أم خالد بهدوء..
أم خالد تمشي على أطراف أصابعها في الغرفة، حدثتها نادين بدون أن تتحرك:
-عايزة حاجة يا أم خالد؟
انتفضت أم خالد وبحركة لا إرادية، فتحت صدر ثوبها وبصقت به:
-بسم الله الرحمن الرحيم.. إنتي صاحية يا مدام.
اعتدلت نادين جالسة:
-اه صاحية من بدري.. من ساعة ما الدكتور نزل.
-طيب هروح احضرلِّك الفطار.
-لأ مش دلوقتي.. الدكتور زمانه جاي هبقى افطر معاه.. كنتي جاية عايزة حاجة؟
-آه.. كنت جاية اخد الغسيل.
-بدري كده؟
-عشان الحق اليوم من أوله.
نهضت نادين من فراشها بعدما جفاها النوم تمامًا:
-أنا هقوم اخد شاور.
ردت أم خالد وهي تأخذ بعض الملابس المُعلَّقة على الشمَّاعة:
-مدام نادين.. لميس لسه صاحية طول الليل مانامتش.. مش كويس عليها كده.
لم تجد نادين كلمات ترد بها على أم خالد.. فهي رغم تدخلها بعض الأحيان فيما يخص لميس إلا أنها طيبة القلب وتحبهم حقًا وتعتبر لميس ابنة لها.. فهي معهم منذ سنوات لميس الأولى، وقامت بخدمتها وتربيتها يدًا بيد مع نادين؛ لذلك تغفر لها نادين تلك التدخلات التي لا تقبلها من أي شخصٍ آخر مهما كان قريبًا منها.

*********************
أنهت نادين حمَّامها.. جلست تتزين أمام مرآتها بعدما انتقت زيًّا نهاريًا ترتديه لأول مرة؛ متمنية أن ينال إعجاب حسن.
أثناء تصفيف شعرها، كانت تتخيل لحظة قدومه للمنزل، تتخيلها بشوق ولهفة كموعدهما الأول.. تُحدِّث نفسها: "من قال إن الحب ينتهي بعد الزواج من المؤكد أنه لم يحب حقًا.. فالحب مازال في أوج اشتعاله ولم يفتر بمرور السنوات.

انتهت من جلستها أمام المرآة.. وجدت الساعة اقتربت من التاسعة صباحًا، ذهبت لغرفة لميس.. وجدتها مازالت مستيقظة.
-صباح الخير.. انتي لسه قاعدة كده من امبارح؟
-صباح النور يا مامي.. أيوة مش جاي لي نوم.
-كفاية كده ونامي شوية.. تحت عنيكي هيسوَّد من كُتر السهر.
-حاضر.. بس مقلتليش اتفقتي مع بابي هنسافر إمتى.
-بابي مقالش معاد محدد.
-لو استنيناه مش هنروح ف حتة.
-أنا قبل كده وعدتك وموفيتش بوعدي؟
-لأ.
-خلاص.. هنسافر زي ما انتي عايزة إن شاءالله بس نشوف بابي فاضي إمتى.
-أوك.
اقتربت منها نادين، وأخذت الـ "آي باد" وقبَّلتها من وجنتيها، وتركتها لتنام.

********************
أخذت نادين تليفونها لتتصل بحسن.. وجدت تليفونه مغلقًا.. ذهبت للتليفون الأرضي واتصلت على مكتب حسن.
بعد انتظار نادين لحظات رنين الهاتف، أتاها صوت أنثوي متكاسل، نظرت مجددًا لشاشة التليفون الأرضي لتتأكد من الرقم المطلوب.. لم تخطئه وهو بالفعل الرقم المباشر لمكتب حسن.. تجدد الرد مرة أخرى.. نفس الصوت الناعم الناعس، حاولت أن ترد تسألها من هي وكيف أتتها الجرأة لترد على تليفون زوجها، اختنق صوتها ووقف الكلام في حلقها.. انقطع الخط.. أغلقته المرأة الأخرى..
في لحظات.. قررت نادين أن تذهب فورًا لحسن.. لابد أن يعرف أنها اكتشفت خيانته.. حين تفاجئه متلبِّسًا بالجُرم المشهود.

*******************
وصلت نادين أمام البرج الذي يوجد به مركز شاهين للولادة، صعدت بسرعة حتى تستطيع أن تلحق بالمرأة الموجودة مع زوجها قبل أن تغادر.. عندما وصلت المركز، لم تلتفت لموظفة الاستقبال أو لأي من الممرضات ممن كن يرحبن بها، بل اتجهت بسرعة ومباشرة لمكتب حسن.
فتحت باب المكتب.. لم يُفتَح معها.. تأكدت أنه مغلق من الداخل..
ظلت تطرق على الباب بعنف وهي تنادي: "افتح يا حسن.. حسن.. افتح".
سمعت صوت ولوج المفتاح في الباب.. وانفتح الباب ووجدت منى أمامها
سألتها منى بفزع:
-مالك يا نادين؟؟ في ايه؟؟
دخلت نادين وهي تبحث حولها:
-حسن فين؟
-مش عارفة يا إما بيمر على الحالات يا إما معاه ولادة.. مالِك؟؟ لميس كويسة؟

جلست نادين على أقرب كرسي.. جلست لتستريح من ثقل شكها.. تنفست الصعداء عندما أدركت أن في الأمر لَبسًا ما، وبكل توتر سألتها منى:
-مالك يا نادين؟؟ طمنينى ايه اللي جابك تجري كده؟؟ لميس بخير؟
ردت نادين وهي تحاول أن تضبط أنفاسها:
-بخير يامنى.. الحمدلله.
كانت تحمدالله أن شكوكها لم تكن في محلها.. طوال الطريق وترتسم في مخيلتها مشاهد سيئة تتوقع مشاهدتها.. وبالتالي كانت تحاول أن تحضر رد فعل مناسب لكل مشهد تتخيله.

لاحظت منى صمتها وشرودها.. جلست أمامها صامتة بعد أن توقعت أنه ربما سبب وجودها هنا سرًا ما بينها وبين حسن ليس من حقها السؤال عنه، بادرتها نادين:
-انتي بتعملي ايه هنا بدري كده يامنى؟.. انتي كنتي بايتة هنا؟
ردت منى بنبرة حزينة:
-لأ.. جيت أول ما النهار طلع.
-ليه كده؟

سمعا صوت حسن في الردهة يقترب حتى وصل لباب المكتب، فوجئ بوجود نادين:
-نادين!! مالك؟؟ ايه اللي جابك؟
ترددت نادين في محاولة للبحث السريع عن إجابة ما.. ابتسمت:
-عادي يا حسن.. قلت اعملك مفاجأة.
-مفاجأة؟؟!! الساعة 9ونص الصبح؟
نهضت منى من مكانها:
-طيب هستأذن انا.. هبقى اكلمك يانادين.
سألها حسن:
-رايحة فين؟؟ انتي لحقتي تنامي؟
-هروح انام في أي حتة يا حسن متشيلش هم.
نهض حسن واستوقف منى وهو يخلع البالطو الأبيض:
-لا خليكي هنا يامنى وانا هنزل مع نادين شوية.

تبعته نادين صامتة أثناء خروجهما من المركز وأثناء ركوبهما سيارة حسن، نظر لها حسن نظرة جانبية أثناء قيادته السيارة.. تجاهلتها نادين، أعاد النظر للطريق أمامه وهو يسألها:
-شكلك زعلانة من حاجة؟
ردت بسرعة:
-لا أبدا يا حبيبي.
-أكيد فيه سبب انك جيتي الصبح بدري كده.. فيه حاجة عايزة تقوليها؟
ولمعت فكرة في رأس نادين.. فسألته ببراءة مصطنعة:
-أصل لميس كانت بتسأل هنروح مارينا إمتى، وانا جيت اشوف هتبقى فاضي إمتى؟
ضحك حسن.. تعجبت نادين من سبب ضحكته.
-بتضحك على ايه يا حسن؟
-كل ده عشان السفر.. قولي بقى اني وحشتك وجيتي تشوفيني.
-أيوة.. انت وعدتني انك هتيجي تفطر معايا وانا فضلت قاعدة استناك ومسألتش فيا.
-كانت ف إيدي حالة ولادة يا نادين.
-ما انا مكنتش اعرف وخصوصًا ان تليفونك كان مقفول... بُص يا حسن بصراحة بقى أنا اتصلت بيك ع المكتب واتجننت لما سمعت صوت واحدة ست بترد على تليفونك.
-ست؟؟ منى يعنى؟
-ما أنا مفسرتش انها منى.. صوتها كان نايم كده وانا كنت هموت م الغيرة.
وبنبرة حادة سألها متأكدًا:
-شكيتي فيا؟
ردت وهي تصحح مفهومه:
-دي غيرة مش شك.
أجابها بنفس النبرة الحادة:
-لما تيجى تجرى يا نادين عشان تقفشيني متلبس -من وجهة نظرك-تبقي شكيتي فيا.. أنا عمرى حصل منى حاجة تثير شكك؟؟
صمتت نادين.. وانحدرت من عينيها دموع صامتة لم يلحظها حسن وسألها مكررا:
-حصل منِّي حاجة تشكِّك فيَّا يا نادين؟
نظر لها ليواجهها، وجد دموعها ونظرتها الحزينة.
-للدرجة دي زعلانة؟ المفروض انا اللي ازعل.
-أنا مش زعلانة منك يا حسن.. وانا أسفة لو كنت زعلتك.. بس انا جوايا كتير وساكتة.
امتدت يده اليمنى احتضنت يدها اليسرى.. قربها من شفتيه.. لثمها برِقَّة.. وبنبرة حانية.
-خلااااص.. امسحي دموعك وهنقعد مع بعض وهسمع كل اللي جواكي ومضايقك كده.

*********************
على طاولة تطل على حمام سباحة في أحد الفنادق الكبرى، يرشف حسن من فنجان قهوته.. ينتظر سماع نادين.. أما نادين فكانت تبحث عن كلمات افتتاحية تمهد لها حديثًا ثقيلًا على قلبها.. تخشى من أن يُغضِب حسن..
لا تخشى ثورته فهي تعلم تمامًا أن الأمر يختلف معها عن عصبيته مع أي شخص غيرها.. فأقصى ثورة يصل إليها هي ارتفاع صوته قليلًا ولم تحدث تلك الثورة مطلقًا خارج منزلهما.
جل ما تخشاه أن يغضب ويكتم غضبه داخله ويتجنبها وهذا ما لا تطيقه.
تحدَّث حسن قائلًا:
-ايه يا نادين.. هتفضلي ساكتة كتير؟
-خايفة تزعل من كلامي.
-لا مش هزعل.. المهم متكونيش انتي زعلانة.
-مش ملاحظ اننا بعدنا أوي عن بعض.
-إحنا!!!
-أيوة يا حسن.. انت بتقعد معايا؟
-وانا قاعد مع مين دلوقتي؟
-لولا اني جيتلك مكناش قعدنا مع بعض.. آخر مرة قعدت مع بنتك إمتى؟
-ما انتي عارفة يا نادين ان اللي شاغلنى عنكم هوَّ شغلي.
-طيب واحنا؟
-انتوا روحي ومقدرش استغنى عنكم.. بس شغلي هو مستقبلي ومستقبلكم .. أنا لما بتعب واشتغل ده عشان مين؟
-بس وجودك معانا مهم.. أنا مش عارفة آخر 3 سنين البُعد بيننا زاد أوي كده ليه؟
-مش عارفة؟؟!!.. لأ انتي عارفة كويس وانا مبعملش حاجة من وراكي.
-ايه السبب؟
-السبب اني كنت بواصل الليل والنهار عشان جنب الشغل كنت بجهز للمركز وبشتغل زيادة عشان انتوا والبيت متتأثروش بالأزمة اللي كنت فيها.. كنت محتاج فلوس اكمل بيها شِرا الأجهزة اللي ناقصاني ده غير ان العيادة مكنش ينفع اسيبها.. كل ده مش سبب يخليني بلف حوالين نفسي؟! واظن انتي كنتي عارفة انا بعمل إيه خطوة بخطوة وشايفة انا بتعب ازاي.
-أنا عارفة كل ده.. وخلاص الحمدلله المركز خلص والأمور استقرت.. فى إيه بقى؟
-المركز خلص الحمدلله واسمه بقى كبير وبكده زاد الشغل عليا أكتر واكتر.. وبعدين يا نادين كل ده عشان مين.. عشان عمرك ما تحسي انك أقل من أي حد حواليكي.. عشان عمرك ما تحسي اني حارمك أو حارم بنتي من حاجة.. أنا بعمل كل ده علشانكم.
-بس انا بتكلم في إحساس يا حسن.. إحساسي انك بعيد عنِّي أنا ولميس تاعبني.. أنا مخنوقة أوي.
-زي ما انا بتعب وبستحمل تعب الشغل.. إنتي كمان لازم تستحملي انشغالي عنكم.
-زهقت.. أنا مبعملش أي حاجة واليوم طويل عليا.
-محسساني اني حابسك في البيت.
-الفراغ يا حسن.. الفراغ اللي انا فيه خنقني.
-اشغلي فراغك.. عندك النت وعندك الكتب في المكتبة ولو عايزة تشتركي في أي نشاط خيري معنديش مانع.
-وانت.. مش هتحاول خالص تدينا شوية من وقتك؟
-أنا هحاول.. بس انتي عارفة ان وقتي مش ملكي لوحدي.. أنا ببقى نايم وتليفون بينزلني اجري.
-عندك منى.. أو جيب دكتورين تلاتة يشيلوا عنك الشغل شوية.
-يعني واحدة بتتابع معايا حمل 9 شهور اجي ساعة الولادة أقولها معلش أصل عايز انام روحي لدكتور تاني.
-متتريقش عليا يا حسن.
-مش بتريق بس بعرفك إن الحامل بتكون عايزة الدكتور اللي هي مطّمنة له وعارف كل حاجة عن حَملها مش دكتور لسه بتشوفه لأول مرة.
-والحل؟
-أنا أي وقت فاضي فيه يبقى ملككم انتم.. غصب عنِّي يا نادين.
صمتت نادين بعدما شعرت أن الكلام لا جدوى منه، ولا يوجد حلول فحسن معذور وعقلها مقتنع تمام الاقتناع بكلامه.. أما مشاعرها كزوجة تريد زوجها، لا علاقة لها بما اقتنعت به.

ساد الصمت بينهما.. اقتربت سيدة تبدو في الثلاثينات منهما على استحياء
بدأت السيدة كلامها:
-صباح الخير.. مدام نادين؟؟
ابتسمت نادين ابتسامة مرتعشة وهي تهز رأسها إيجابًا وتنظر لحسن الذي رأته يشيح بنظره عنها ويتجاهل الموقف.
أردفت السيدة التي لم تلحَظ نظرات نادين لحسن:
-أنا مبسوطة أوي اني شفتك النهاردة.. أنا وجوزي بنحبك أوي.. كل فيلم ليكي كان بينزل لينا معاه ذكريات من أيام خطوبتنا.. مش هترجعي تاني؟؟
ردت نادين وهي تختلس نظرة سريعة لحسن الذي عقد حاجبيه استياءً:
-ميرسي أوي.. بس الحقيقة أنا اتفرغت تمامًا لبيتي.
علقت السيدة وهي تصافح نادين:
-خسارة.. بس المهم انك مبسوطة.. أسفة لإزعاجك.. بعد إذنك.
انسحبت السيدة بعد أن تركت صمتًا يحمل صخبًا يدور في رأس كل من نادين وحسن.. حسن وعلى مدى السنوات مازال يضيق بمن يقتحم خلوتهما حتى وإن كان للحظات بسيطة.. أما نادين فتلك اللحظات كانت تسعدها كثيرًا ولكنها تتألم من رد فعل حسن.
تجاهَل كل منهما الموقف.. نظر حسن لساعته:
-يالا عشان ورايا شغل.. هوصَّلك البيت ولَّا تيجي معايا المركز وترجعي بعربيتك؟

هناك 5 تعليقات:

  1. حلوه اوى يا دينا

    ردحذف
  2. امتى التكمله ولا فين ولا اسمهاا ... قصصك روووعه
    بليييييز اللرررد

    ردحذف
  3. فين الجزء الثالث يا دينا

    ردحذف
  4. معنديش شك انها هتكون قصه جامدة
    متابع جدا

    ردحذف
    الردود
    1. دى مش قصة دا كتاب بلاوته 20 و 450 صفحة وهى هتنزل اربع فصول بس عشان اللى تعجبه يشتريها

      حذف

قول رأيك بلاش تقرا وتقفل من سكات...ارائكم تهمنى