الاثنين، 29 يونيو 2015

رواية بلاتوه... الفصل الثالث




                                   (3)

جلس أسامة على السفرة بينما كانت والدته تحضِّر له الإفطار.. لم يستطع أن يرفض طلب والدته أن يشاركها إفطارها قبل أن تأخذ دواءها.. جلس مقررًا أن يشاركها الطعام؛ إرضاءً لها فقط. أما هو فلا شهية لديه كما لم يستطع النوم من بعد مغادرة منى للمنزل.

لم تتطرق مشاكلهما يومًا لهذا الحد منذ زواجهما.. يعترف بينه وبين نفسه أنه فقد أعصابه وأنه لم يقصد المعنى الحرفي للكلمة عندما رد عليها منفعلًا: "أمي عندي قبل الناس كلها حتى انتي.. ده بيتي وبالتالي يبقى بيتها.. لو مش عاجبك مع السلامة".

سمع خطوات والدته تقترب.. جلست وبدأت حديثها وهي تناوله الشاي:
-افطر يا حبيبي انت بتتعب وبتيجي متأخر.. هي فاكرة لما تنزل كده مش هتلاقي حد يعملَّك حاجتك.. ده انا عنيا ليك.
-شكرًا يا ماما .. متتعبيش نفسك في حاجة في البيت.
ردَّت وهي تنظر حولها متأففة:
-مبتعبش أنا مش التنظيم.. بقى بذمتك مش ترتيب البيت كده أحلى ما كانت مراتك عاملاه.
-كويس.. كله كويس.
-كويس ايه.. ده انا الناس كلها بتحلف بترتيبي للعفش.. ده انا مكنش بيعدِّي سنة من غير ما ادور البيت واخليه زي الجديد.. انت من ساعة ما اتجوزت وكل حاجة ف مكانها.. إيه مبتزهقوش.
-عادي يا ماما.
-عادي يا ماما!! إنت هتعمل زي مراتك وبدل ما تقولِّي شكرا تقولي شيلتي الحاجة من مكانها ليه.. الحق عليا اللي فاكرة ان ابني هينصفني مش ينصف مراته عليا.. أنا اللي تعبت وربيت ابقى زي الغريبة.
أسامة يقدِّر تمامًا تضحية والدته الأرملة التي توفى زوجها في شبابها وأفنت شبابها وحياتها في تربية أبنائها "أسامة، وأماني". منذ تفتحت عيناه على حقائق الحياة وهو قطع عهدًا على نفسه بأن يعوضها جزاء تضحيتها بكل ما في وسعه. اجتهد في دراسته ليرضيها ويسعدها، ابتعد عن أي صديق له لم تحبه والدته.. فقط إرضاءً لها.. سمع كثيرًا من ينعتونه بأنه "ابن امه".  
لم تؤثر به مطلقًا تلك الكلمة أو تؤثر على علاقته بوالدته
فكل ما يفعله يقوم به برضا واقتناع تام غير مُجبر من والدته، كل ما هنالك أنه يحب والدته ويحب إسعادها ويعتبر نفسه المسئول الأول عنها.. غير مبالي بما قد يقال أو يُفسَّر.

مدَّ يديه ربت على يديها:
-تسلم إيدك طبعا وأكيد البيت كده أحلى.. بس انا مش عايزك تتعِبي نفسك.
-ولَّا عشان مراتك مش عاجبها؟
-لأ طبعًا علشانك انتي.
-ربنا يخليك ليا يا ابن عمري ويحنن قلبك كمان وكمان.
نهض أسامة من مكانه:
-أنا نازل.. عايزة حاجة اجيبها وانا جاي؟
-إنت مكلتش حاجة.
ردَّ كاذبًا:
-لأ أكلت وانتي بتعملي الشاي.
تبعته حتى باب المنزل.. وقبل أن يغادر سألته:
-هيَّ مراتك راحت فين بدري كده.
-معرفش مكلمتهاش.
-يعني ايه متعرفش.. هتروح فين وهيَّ لا ليها أم ولا اخوات.
-يمكن راحت المركز.
ردت مكررة كلماته بسخرية:
-رااااحت المركز.. آآآآه.. طيب.
-أصل هتروح فين يعني.
-انا اعرف بقى.. بقولك إيه.. خلى بالك.. انا مش عارفة انت ازاي سايبها كده.
-كده اللي هوَّ ازاي؟
-من ساعة ماجيت وانا شايفاك لا بتسألها رايحة فين ولا جاية منين.. بتيجى متأخر وتنزل أي وقت هي عايزاه وانت عادي كده.
-شغلها ياماما.
-وانت جوزها يا أسامة.. جوزها اللي أهم من شغلها ده لو كل الوقت في شغلها فعلا.
سأل والدته بشك:
-تقصدى ايه؟
أشاحت بيديها وهي تتظاهر بعدم الاهتمام:
-أنا مالي.. لا اقصد ولا مقصدش.. انت مش صغير.

خرج أسامة وهو يفكر في كلام والدته.. على مدى خمس سنوات سابقة هي مدة زواجه لم يسأل منى قَط عن موعد رجوعها أو وجهتها.. تردد صوت بداخله"ما انت مكنتش بتسألها عشان هي طول عمرها بتسبق وتقولك على كل تحركاتها من غير ما انت تسأل".

أدار محرك السيارة.. لم يَدُر معه، جرب مرة أخرى بدون جدوى، نظر في ساعته وجد أنه قد يتأخر على عمله.
نزل من السيارة وأغلقها.. ووقف ينتظر تاكسي وهو يردد بينه وبين نفسه:"هلاقيها منين ولا منين.. ومنى دي كمان ايه حكايتها وكلام ماما ده تقصد بيه ايه.. تكون شاكة في حاجة ومش عايزة تقولِّي".


                         ********************

دخلت والدة أسامة المطبخ.. رتبته وأخرجت ما تنوي طهيه للغداء، ذهبت لباب الشقة.. أغلقته بالترباس، ثم دخلت حجرة نوم منى.. وقفت برهه على الباب تنظر حولها لكل مكونات الغرفة من أثاث. جلست على أحد طرفي السرير في الجهة التي تنام بها منى، بدأت في تفتيش أدراج "الكومودينو" باهتمام بالغ، لم تجد ما يثير الاهتمام.. نهضت متجهه لدولاب منى. ظلت تفتش ماظهر منه وما بطن ولم تترك أي جزء حتى بين طيات الملابس فتشت فيه، كانت تبحث عن هدفٍ محدد.. لم تعر انتباها لأية أوراق أو نقود أو ألبومات وجدتها أثناء بحثها، كان هدفها محددًا للغاية.. هي تبحث عن مقصدها فقط.. بين كل أغراض منى لم تجد هدفها.

جلست برهة تفكر.. ثم حسمت قرارها بإعادة البحث، ولكن هذه المرة في أغراض أسامة. بدأت بــ "الكومودينو" كما فعلت منذ قليل ولم تجد شيئًا.. ذهبت للدولاب وبدأت البحث بين أرفف ملابس أسامة.
في الرف الأخير وقبل أن تنتهي، وجدت في آخره وتحت محتوياته شريط أقراص،
شعرت أنها وجدت ضالتها المنشودة بالرغم أنها قلبت الشريط بيديها ولم تفهم منه شيئًا.

ابتسمت بانتصار ورددت بينها وبين نفسها:" أنا كنت حاسة.. ياعيني عليك يا بني وكمان مخبياه ف حاجتك .. أه منك يا منى يا مكَّارة.. صحيح ياما تحت الساهي دواهي".

أخذت شريط الأقراص معها في المطبخ.. وضعته فوق الثلاجة وبدأت في طهي الطعام وانتظار أسامة.


                       ********************

قبل المغرب بقليل.. عادت منى منهكة كل آمالها أن تلقي نفسها على سريرها وتذهب في سبات عميق لا تفيق منه إلا بعد أيام. شعرت بالجوع عندما شمت رائحة الطعام الشهي الآتية من المطبخ.
لحظات فتحها للباب وإغلاقه تمنت أن تنهي طعامها سريعًا وتذهب فورًا للنوم. تلفتت على صوت التليفزيون ووجدت حماتها تجلس تشاهد أحد المسلسلات.. ألقت التحية ولم تسمع ردها.

دخلت حجرتها.. كل شيء كما هو.. بدَّلت ملابسها بأكثر ملابس بيتها راحة..
كم تشتاق للراحة.. طيلة الفترة الصباحية في المركز تتنقل من سرير لآخر لتنعم بالنوم، ولكنها لم تقتنص سوى نوم متقطع يثير أعصابها أكثر مما كانت، حتى دبت الحركة وازداد العمل وبدأت الانهماك في العمل وأصبح لا مجال للراحة.

انتهت من أخذ حمامها.. ذهبت للمطبخ، وقفت أمام البوتاجاز، رفعت غطاء إحدى الحلل، انتفضت على صوت حماتها خلفها تسألها:
-بتعملي إيه؟
وقبل أن تبتلع منى لعابها أردفت حماتها قائلة:
-انتي مقلتيش انك جاية ع الغداء فمعملتش حسابك.. مفيش غير غداء أسامة.
شعرت منى بسخونة الدم في وجنتيها من الإحراج، آخر ما كانت تتوقعه أن تتعرض لمثل هذا الموقف.. في بيتها.

تظاهرت بالتماسك..
-أنا اتغديت خلاص .. أنا كنت بشوف لو حاجة عايزة تتحط في التلاجة قبل ما انام.
-انتي هتنامي؟
-أيوة.. هو أسامة فين؟
-لسه مجاش م الشغل.
-غريبة!
-ليه.؟
-أصل عربيِّته راكنة تحت.
وردت والدته مذعورة:
-ايه؟؟ عربيته تحت وساكتة؟
خرجت مسرعة من المطبخ بينما منى تتعجب من رد فعلها المبالغ فيه. تبعتها منى بهدوء.. وجدتها تتصل بلهفة.. استنتجت أنها تتصل بأسامة
وبالفعل بعد قليل سمعتها:
-أيوة يا أسامة.. إنت فين يا حبيبي؟؟ طيب أصل اتخضيت.. أه الغدا جاهز هسخَّن لك حالًا.. مع السلامة.

أغلقت الخط وعادت إلى المطبخ متجاهلة وجود منى، سألتها منى وهي تمر بمحاذاتها:
-هو فين؟
-طالع اهو.
-كان فين؟
-في الشغل؟
-كان في الشغل وبعدين جه ؟.. ولما ساب العربية راح فين؟
-العربية كانت عطلانة ومخدهاش.
-طيب.. بعد إذنك.
دخلت منى غرفتها.. ألقت نفسها على سريرها، وسمحت للدموع التي خنقتها بأن تتحرر من عينيها.

سمعتْ صوت باب الشقة يُفتَح ويُغلَق، وصوت أسامة ووالدته.. حتى اقترب أسامة من باب غرفة النوم. فتح الباب ودخل وأغلقه خلفه.. وبدون أن يلقي عليها التحية، سألها مباشرة:
-كنتي فين طول اليوم يامنى؟
ردَّت دون أن تلتفت له ومازالت دموعها تنحدر:
-في الشغل.
-من الصبح بدري في الشغل.
-أيوة.. ومش قادرة اعاتب ولا اتكلم في اللي حصل يا أسامة.. أنا تعبانة وعايزة انام.
شعر بصوتها مرهقًا.. لم يكن سوى صوت مختنق بالدموع ولكنه لم يلحظه.
بدَّل أسامة ملابسه وخرج من الغرفة بهدوء.


                     ********************

جلست والدة أسامة معه أثناء تناوله الطعام، كانت مترددة بعض الشيء.. فبادرها بالسؤال:
-مالك يا ماما.. عايزة تقولي حاجة؟
ترددت.. ثم أجابت:
-أيوة يا أسامة.. أنا من زمان شاكة بس اتأكدت.

كاد أن يقف الطعام بحلقه.. فقد ربط بين كلامها صباحًا وكلامها الآن
ماذا تقصد؟؟ وماهي تلك الشكوك؟؟حبه لمنى مازال كما هو، وثقته بها أيضًا
ماذا لو كانت الاستنتاجات حقيقة؟
ازدرد طعامه بصعوبة.. وتناول قليلًا من الماء، وبصوت يخشى أن تتحول أفكاره حقيقة:
-اتأكدتي من ايه؟ وازاي؟
مالت والدته عليه قليلًا.. وهمست له:
-مراتك مش مُريحة.. مفيش ست تفضل متجوزة 5 سنين ومحبلتش وهيَّ كمان دكتورة نساء.
اطمأن أسامة أن استنتاجه مجرد هاجس ووسوسة شيطان، ابتسم لوالدته مطمئِنًا لها وأكمل طعامه:
-كل شيء نصيب ياماما.. هي دكتورة آه بس الحمل ده بتاع ربنا.
أعادت كلامها مرة أخرى بنفس اللهجة التحذيرية:
-أنا اتأكدت انها قاصدة متخلفش منك.. وانا هثبتلك.

نهضت من مكانها.. دخلت المطبخ وعادت بعد دقائق بشريط الأقراص ومدت يديها به لأسامة:
-أهو.. بتاخد حاجة تمنع الحمل من وراك.
بمجرد أن وقع نظر أسامة على الأقراص.. هبَّ واقفًا وهو يأخذهم منها:
-إيه ده.. لقيتي ده فين؟
ذعرت الأم من لهجة ابنها الحادة.. أسامة العصبي مع كل الناس كان يضبط أعصابه عندما يتعلق الأمر بوالدته.. ماذا حدث اليوم ليتبدل حاله؟!
ردَّت باستغراب في نفس الوقت الذي جاءت منى جريًا على صوته.
الأم: انت بتزعقلي؟!
منى: فيه ايه؟
صاح أسامة وهو يلقي بالأقراص على الأرض:
-جبتي ده منين؟؟ بتعملى فيا كده ليه؟!
ردت والدته وهي تبكي:
-بتحاميلها عشان معرفش الحقيقة.. بتعمل كده في امك يا أسامة.. يا خسارة تعبي وشقايا وشبابى اللي ضحيت بيه علشانك انت واختك.
لم يرد أسامة وقبل أن تكمل حديثها كان دخل حجرته وبدَّل ملابسه في سرعة البرق.

أما منى فبعد أن وقعت عيناها على الأقراص.. وكل ما يمر حولها بسرعة في ظِل إرهاقها يجعلها تأخذ وقتًا لاستيعاب ما يحدث حولها. بعد أن تناولت الأقراص من على الأرض، وجدت أسامة يخرج مندفعًا من غرفة النوم حتى الباب
لحقته منى وهي تنادي عليه متلهفة:
-استنى يا أسامة.. استنى عايزاك.
لم تفلح كلماتها في استيقافه.. بينما كانت والدته صوتها يعلو من الغرفة وهي تبكي وتندب حظها العاثر بابنها الذي ثار لزوجته وأغضب والدته.
ذهبت منى لمحاولة تهدئتها.. وجدتها حزمت حقيبة ملابسها.
-أنا هبعت البواب ياخد الشنطة.. مش قاعدة لكم.. بكرة هتبقي لوحدك زيي كده ومتلاقيش حد يسأل فيكي.
ردت منى بألم:
-ليه كده؟؟انا عملت ايه بس.
-قلبتي ابني عليا منك لله.. ابني عمره ما زعق في وشي كده ولا كان حتى بيرد عليا.. نزلتي الصبح ياعالم رُحتي فين وعملتي ايه رجعتي الواد اتبدِّل.
-استغفر الله العظيم يارب.. هروح فين بس أنا نزلت عشان مكبَّرش المشكلة.. اطمنى ابنك قالهالي صريحة لو اخترت هختار امي وانا مش بخيَّره بيني وبينك.. أنا معرفش الشيطان اللي دخل بيننا ده ايه.
-اااااه.. الشيطان.. طيب ياختي الشيطان اللي تقصديه سايبلك البيت.
ردت منى بسرعة مصححة ما لم تقصده:
-والله ما اقصد كده خالص.. أنا قصدي شيطان ساعة زعل يعني.
-بت انتي..
-بت؟؟!!
-غلطت في الست الدكتورة.. طيب يا دكتورة.. اشبعي بيه وانا غضبانة عليكم انتم الاتنين.
اتجهت والدة أسامة للباب بسرعة دون أن تنتظر ردًا. فتحت الباب وتركته وراءها مفتوحًا. جلست منى تفكر فيما حدث وما ستجره إليها الأيام التالية. بعد دقائق سمعت رنين الجرس.. نظرت للباب المفتوح وجدت البواب:
-الشنطة بتاعة الحاجة؟
شاورت له منى بأن يتقدم ويأخذها من الردهة.. غادر البواب ونهضت منى وأغلقت الباب خلفه.

دخلت غرفتها.. بحثت عن مسكن للصداع الذي تعانيه من الإرهاق وقلة النوم.. وجدت المسكن.. تناولته، ثم أخذت نفسًا عميقًا بعد أن قررت أن تتصل بأسامة لتعرف أين ذهب وتخبره بمغادرة والدته.
اتصلت.. بعد أول جرس رنين، أغلق المكالمة في وجهها وأغلق الهاتف كله
مما زاد من قلقها.. من المستقبل القريب.

هناك 12 تعليقًا:

  1. الروايا جميلة وشكلها مثير قوي يا دينا . بس يا تري هتكمليها ولا دة تشويق بس

    ردحذف
  2. اتاخرتي كتير يا دينا
    يا ريت تجيبي الجزء الجاي بسرعة

    ردحذف
  3. الروايه جااااااااااامده جدا تسسلم ايديكى

    ردحذف
  4. الروايه دي شكلها جامدة جدا و معنديش شك ف كجدا
    و الوليه ام اسامه دي انا مش عارف ازاي في حد كدا
    متابع جدا

    Amr el_sharqawy

    ردحذف
  5. الرواية
    جميله وانا بحب قراية قصصك وكنت عاوزه اسالك عن اسم اول قصة كتبتيها
    Ghada

    ردحذف
  6. شكرا جزيلا على ارائكم ومتابعتكم

    الرواية موجودة ورقيا ومش هينفع تنزل هنا كاملة لان فيه حقوق نشر للدار ... انا بنزل بعض الفصول علشان اللى تعجبه يشتريها ويكملها

    ردحذف
  7. رؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤؤعه

    ردحذف
  8. قصه بلاتوه دي بجد تحفه انا حملتها pdf وخسرت عليها طول الليل لحد ما خاضتها بس صعبت عليا نادين اووي

    ردحذف

قول رأيك بلاش تقرا وتقفل من سكات...ارائكم تهمنى