الخميس، 28 يناير 2016

رواية الدائرة



بمناسبة بدء معرض القاهرة الدولى للكتاب... انشر الفصول الاولى من رواية الدائرة والمتوفرة حاليا بمعرض الكتاب والمكتبات "لن يتم نشر الرواية كاملة ولكن الفصول الاولى فقط كدعاية للرواية"

             الدائرة
             ــــــــــــ

               1
وقفت فرح أمام مرآة حجرة نومها بعدما أتمَّت ارتداء ملابسها، مدت يديها نحو أحمر الشفاه، ولكنها تراجعت .. نظرت لنفسها في المرآة، لم تجد دافعًا يجعلها تتزين؛ خاصة أن الساعة لم تتجاوز العاشرة صباحًا.. صففت شعرها ذيل حصان وأخذت هاتفها المحمول ومفاتيح سيارتها وخرجت من غرفتها.
مرت بردهة طويلة حتى وصلت للمطبخ.
-صباح الخير يادادة
 -صباح الفل يا نور عيني.. هحضرلك الفطار.
- لأ يدوب ألحق اروح المطار مش عايزة اتأخر .
- طيب اعملك ساندويتش تاكليه ف العربية.
ضحكت فرح:
- كبرت على حكاية السندوتشات دي .. أنا عندي 26 سنة.
- هتفضلي برضو بنتي الصغيرة.
 - طبعًا يادادة.. ماما فين؟
- مدخلتيلهاش .. قاعدة في البلكونة بتشرب القهوة.
- طيب هروح اصبّح عليها وانزل.
عادة والدة فرح لم تغيِّرها منذ سنوات طويلة؛ تشرب قهوتها الصباحية في الشرفة، بجوارها راديو "ترانزستور" تتابع من خلاله فقرات برنامج إلى ربات البيوت وما إن ينتهي تبدأ الإشراف على أعمال المنزل.
دخلت فرح البلكونة لوالدتها.. كانت تهم بالنهوض بعدما أغلقت الراديو.
- صباح الخير ياماما.. ابلة فضيلة خلصت؟
- صباح النور.. أه لسه خالصة حالًا.
- يااااه من زمان مسمعتهاش.
- ابقي قومي بدري وانتي تسمعيها.
- ما انا قمت بدري اهو.. أنا نازلة.
- خلي بالك من الطريق وسوقي على مهلك.
- حاضر .
خرجتا معًا من الشرفة.. وصلت فرح للباب وعندما فتحته:
- دادة.. متعمليش حسابى على الغدا .
سألتها والدتها:
- ليه؟
- ماما انتي نسيتي.. النهارده فرح أميرة.
- ما انا فاكرة.. انتي هتروحى كده بالجينز؟
- مش لسه هوصّل بابا.. لما ارجع هاخد الفستان واروح الكوافير لأميرة، وسلمى هتقابلنا هناك، ونبقى نجيب أي حاجة خفيفة.
- طيب.. عقبالك يا حبيبتي .. نفسي افرح بيكي بقى
ردت فرح بانكسار:
- قولي لبابا متقوليليش انا.
صمتت والدتها ولم تعلق فرح.. تعلم كلتاهما أن الصمت عجزٌ.. ومن بيده الأمر هو فقط من يستطيع الكلام.

              *  *  *

جلست فرح في سيارتها.. أدارت المحرِّك وتحركت في اتجاه المطار لاستقبال والدها، رنَّ تليفونها.. ردت.. أتاها صوت صلاح:
- صحيتي؟
 طبعًا.. مش قايلالك رايحة اجيب بابا من المطار.
- مكلمتنيش ليه؟
- كنت لسه هكلمك اهو.. عملت إيه جهزت نفسك؟
- هجهز نفسي اعمل ايه يا فرح يعني هروح اجيب فستان ولا اروح للكوافير زيكم.
ضحكت فرح:
- طيب متتأخرش عليا بالليل .
- وانا اقدر اتأخر عنك أبدًا.. ده انتي بتوحشينى قبل ما ابعد عنك.
- آآآه ياقلبى هيغمى عليا.. مقدرش ع الكلام الحلو ده .
- لا الله يخليكي ركزي في طريقك علشان ترجعيلي بالسلامة .
- حاضر متقلقش انت بس .
- سلام يا فرحتىي.
- مع السلامة يا حبيبي
أنهت فرح المكالمة، وقامت بتشغيل كاسيت السيارة، ورددت مع الأغنية بمنتهى العشق والهيام:
" أنا أنا أنا بعشقك "
           *  *  *

استقبلت فرح والدها باشتياقٍ .. ضمَّها إليه وهو يقبِّلها:
- وحشتينى يافرح .
- وانت يابابا.. حمدالله على السلامة.
- الله يسلمك يا حبيبتي.
تقدمت فرح في اتجاه صديق والدها ومدت يدها تصافحه:
- حمدالله على السلامة يا انكل.. إنتوا كنتوا مسافرين مع بعض ولا إيه؟
صافحها محمود كارم صديق والدها:
- اتقابلنا صدفة هناك فاتفقنا نيجي مع بعض.

أنهوا إجراءات الوصول.. وصل ثلاثتهم للسيارة.
سألت فرح  محمود:
- انكل محمود حد جاي يوصلك ولا تيجي اوصّلك.
- أنا مقلتش لحد معاد وصولي.
فردَّ والد فرح:
- خلاص يبقى نوصلك معانا .
أثناء طريق العودة.. توجَّه والد فرح لها بالسؤال:
- أخبار الشركة إيه؟
- كويسة الحمد لله.
- رُحتي؟
- لأ.. كلمتهم في التليفون واتطمنت ان كله تمام.
علق محمد والد فرح موجهًا حديثه لمحمود:
- إتفضل يا سيدي.. بنت محمد الديب بتتصل تطمن على الشركة بالتليفون.
فردَّ محمود موجهًا كلامه لفرح:
- صحيح يافرح.. ليه مبتشتغليش مع بابا؟
- مش عايزة اشتغل يا انكل.. أنا مبسوطة كده.
فعلق والدها:
-أهو ده عيب البنات.. لو كان عندي ولد كان زمانه شايل الشغل كله.
نظرت فرح لوالدها وحدثته معاتبة:
- كده يا بابا.. يعني الولد أحسن من البنت؟
- الولد كان هيشتغل ويكبّر إسمي في السوق يا فرح.. لو انتي تقدرى تعملي كده انزلي معايا وساعديني وخليكي راجل في السوق .
محمود: صح يا فرح.. إنزلي ساعدي بابا.
ردت فرح مازحة:
- أنا لو نزلت السوق هنافسك.. مش كفاية بابا عليك.
ردَّ والداها:
- أنا ومحمود اصحاب بصرف النظر عن المنافسة.. إنزلى انتي الشغل بس وهو راضي بإنك تنافسيه.. مش كده يا ابو طه .
- بقولك ايه.. مادام شايفة نفسك منافسة قوية تعالي اشتغلي معايا، وانا وانتي ننافس ابوكي
- لأ شكرًا.. أنا مش عايزة اوجع دماغي بالبزنس.
محمد: خليكي كده مع سلمى وأميرة اللي طول وقتك معاهم.. بس ياترى بعد ما الاتنين اتجوزوا هيبقوا فاضيين لك؟
محمود: خلاص يا ستي مادام مش عايزة تشتغلي يبقى نقول عقبال ماتتجوزي زي صاحباتك .
ردت فرح وهي تنظر بطرف عينيها لوالدها:
- إن شاءالله.. قريب بإذن الله.
رد والدها بحسم وهو ينظر لها:
- لما ييجي اللي يستاهلك ويقدّرك.. إنتي متتجوزيش أي حد.
أكملت فرح الطريق دون أن تنبس ببنت شفة، وكل ما يشغلها كيف يمكنها إقناع والدها بصلاح.. قلبها يخفق بشدة من الحب والقلق معًا، ولكنها حسمت أمرها بداخلها: "مش هتجوز غيره مهما بابا عمل"

                                                                                                               
*  *  *



                   2

نهضت سلمى من فراشها لتجلس وتُعدل من قميص نومها وتلملم شعرها في عجلة وكأنها تريد الابتعاد بأسرع ما يمكن.
أما زوجها فكان مازال بجانبها تتلاحق أنفاسه إثر المجهود الذي بذله.رغم أنها دقائق معدودة لا تشبع فتاة العشرينات إلا أنها تعد بالنسبة لمن تجاوز الستين من عمره ويعاني من بعض الأمراض التي يستقبل بها شيخوخته، كمن قضى الساعات في سباق طويل للجري.

تجاهلت سلمى وجوده وذهبت للحمَّام، وأخذت حمَّاما اختلطت فيه دموعها الساخنة بمياهه الباردة. أنهت حمَّامها وارتدت ملابس الخروج وذهبت مسرعة لتدخين سيجارة لعلها تهدأ من أعصابها المحترقة. خرج زوجها بعد انتهائه من حمَّامه وارتدائه كامل ملابسه.
- كل دي سجاير شربتيها في الربع ساعة دي؟
لم تعلق وظلت صامتة تنفث دخان سيجارتها في فضاء شقتها الفسيحة الخالية من أي مظهرٍ من مظاهر الحياة.
سألها:
- إنتي لابسة كده ليه؟
- مش انت عارف ان النهارده فرح أميرة صاحبتي.. وانا رايحة معاها للكوافير.
سألها وهو متجه للباب:
- طيب انا نازل مش عايزة حاجة؟
ردت بلا مبالاة:
- هعوز ايه يعني ..
التفت لها وسألها:
- مالك يا سلمى.. مبوزة كده وبتتكلمي بقرف.. لو محتاجة فلوس قولي.
- إنت مش مخليني محتاجة فلوس.. بس انا محتاجة راجل.
غلى الدم في عروقه وسألها منفعلًا:
- تقصدي إيه؟
نهضت من مكانها واقتربت منه وأجابته برجاء:
- مقصدش حاجة.. أنا قصدي محتاجة جوزى جنبي .. إن شالله حتى يومين في الأسبوع بس يبقوا ثابتين بتوعي.. أنا مراتك وليا حق تعدل بيني وبين مراتك الأولانية .. أنا مش طالبة العدل، بس يومين تبقى معايا قاعدين مع بعض.. ناكل ونشرب مع بعض.. إن شالله حتى نتخانق مع بعض بس يبقى فيه حياة.. أنا الوحدة ضايقتني وخنقتني وزهقت.
ربت على كتفها:
- مالك بس يا حبيبتي.. إعقلي كده واحنا م الأول متفقين ان مراتي مينفعش تحس بحاجة.. بس اوعدك قريب هبقى اجي ابات معاكي يوم .
 - إمتى؟
- حسب التساهيل.. وبعدين زهقتي من إيه.. إنتي بتروحي بيت أهلك وقت ماتحبي .. بتخرجي مع اصحابك وقت ما تحبي.. يبقى فين الزهق ده؟
أدركت سلمى أن الحديث معه كالعادة دون جدوى.. صمتت في استسلام.. تركها وخرج.
شعرت بالدم يغلي في عروقها، ولكن ما باليد حيلة.
نظرت على مدى بصرها في الشقة التي لم تكن تحلم بأنها ستمتلك مثلها؛ أثاث.. تحف.. أجهزة للترفيه لم تحلم يومًا بأن تراها لا أن تمتلكها.
رددت في صمتٍ: "مفيش حاجة ببلاش.. هو ده تمن شبابي".
رنَّ تليفونها.. وجدت أنها فرح.. ردَّت:
- ألو.. أيوة يافرح انتي فين؟؟ لا انا لسه في البيت.. لالا جاهزة مسافة السكة واكون عندك.
سكتت لحظات وأكملت:
- بصي هروح مشوار في السريع كده واجي لكم على الكوافير.. مع السلامة.
دخلت حجرة نومها.. فتحت "دولاب" ملابسها.. أخرجت الفستان الذي اشترته خصيصًا لحضور حفل الزفاف.. أمسكته بين يديها ثم أعادته "للدولاب" مرة أخرى.
*  *  *
وقفت سلمى أمام مجموعة من فساتين السهرة.. بعد تفكير قليل.. اختارت أكثرهم أناقة وإثارة، واشترت الإكسسوارات اللازمة له، وذهبت وهي راضية ليس رضاها عن الفستان بحسب.. بل على آلاف الجنيهات التي سحبتها من حساب زوجها لتدفع ثمن الفستان، وكأنها تنتقم من إهماله مشاعرها بتغريمه المزيد من المال.


*  *  *

غدا ان شاءالله نستكمل الفصل 3

هناك 7 تعليقات:

  1. كالعاده تحفه انا حاسه ان القصه دي هاتبقي حلوه زيك يا قمر

    ردحذف
  2. شركة مكافحة حشرات بالجبيل الشركة الرائدة المتخصصة بمكافحة جميع أنواع الحشرات بالجبيل والمنطقة الشرقية وتقدمها من خلال افضل الإمكانيات الحديثة والعمالة الماهرة فتقدم شركة مكافحة حشرات بالجبيل الخدمات المثالية مع الضمان

    ردحذف
  3. اين الفصل السادس من روايه بلاتوه

    ردحذف

قول رأيك بلاش تقرا وتقفل من سكات...ارائكم تهمنى