تنويه:لن يتم نشر الرواية كاملة بل الحلقات الاولى فقط
3
أميرة بجانب خطيبها في سيارته.. تشع عيناهما
بالسعادة، تسأله أميرة عن التفاصيل في يومه.. وتؤكد عليه موعد خروجها من الكوافير.
- حبيبتي.. كفاية توتر، أنا عملت كل اللي قلت
عليه.. كل حاجة ناقصة في الشقة وديتها، ومكنش ناقص إلا حاجات بسيطة يعني.. مش هتأخر
على معاد الكوافير وهتلاقيني عندك قبل ما تخلصي.. متقلقيش بقى.
- تفتكر هطلع حلوة.. بص كان فيه حباية هنا
على خدي الشمال.. باينة.
يدقق خطيبها النظر في خدها.. وبلهجة جدية:
- إيه ده؟؟
تنتفض أميرة وتقترب من مرآة السيارة:
- ايه باينة؟
- لا.. انا اقصد ايه ده القمر ده!
تضربه أميرة على كتفه برفقٍ وهي تضحك:
- كده.. خضيتني.
- لا متتخضيش.. حبيبتي زَي القمر وهتبقى أحلى
عروسة.
يقف بالسيارة أمام الكوافير.. تودعه أميرة بابتسامة
ويودعها على وعدٍ باللقاء بعد ساعات.
*
* *
في حفل الزفاف.. كانت أميرة تبدو ملكة متوجة
على عرش الحب، تزينها نظرات الحب المتبادلة بينها وبين زوجها أكثر مما تزينها
مساحيق التجميل وفستان الزفاف.
يدها متشابكة بيدِ زوجها لا تفترقان إلا عند
مصافحة المهنئين ويعودان للتشابك مرة أخرى، كالطير الذي يعود متلهفًا لفرخِه.
نظرات عينيهما تتلاقى بين الحين والآخر وكأن
الأصل هو الالتقاء والالتفات للمدعوين هو الدخيل عليهما.
على طاولة قريبة، يجلس صلاح وسلمى تتوسطهما
فرح، يهمس صلاح في أذن فرح:
- عقبالنا
زيهم .
تضحك فرح متمنية تتويج حبها بالزواج مثل
صديقتها:
يارب.
تتشابك يداهما وتتسارع ضربات القلوب من شدة
الحب.
سلمى الأكثر أناقة وجمالًا في الحفل.. تلتفت
يمينا
فتجد أميرة وزوجها يرقصان في حُبٍّ وسعادة، تلتفت يسارا فتجد فرح وصلاح والهمسات والابتسامات ترتسم على
شفتيهما.
يشتعل الحب حولها حتى شعرت أن الفضاء حولها يملؤه
قلوب حمراء.
يشتعل قلبها بنار الغيرة .. الحب حولها ولا
تجد لنفسها نصيبًا.. تدخن بشراهة .. عادة سيئة اكتسبتها مؤخرًا.. تحرق السيجارة
كما تحترق أعصابها..
تتساءل: لِم هي الوحيدة؟ وصديقتاها لكل
منهما رَجلها وحدها؟! أما هي، فالوحيدة التي تتعلق ببقايا رجل..
تُقرب سيجارتها من فمها.. تلتمع دبلتها
الماس أمام ناظريها.. تردد وهي تحبس دموعها وتتحكم في عدم نزولها:
"مفيش حاجة ببلاش"
*
* *
بعد انتهاء حفل الزفاف في ساعات الصباح الأولى،
تنحت فرح بسلمى جانبًا:
- مالك يا سلمى؟
- مالي؟
- شايفاكي قاعدة سرحانة وبتشربي سجاير كتير
أوي .. مش عادتك يعني؟
- إنتي لاحظتي إمتى.. أنا شايفاكي مش دريانة
بالدنيا وانتي وصلاح في دنيا تانية.
- لا طبعًا اخدت بالي بس معرفتش اسألك قدام
صلاح.. مالك؟
- متاخديش في بالك.. عادي.
- إحكي لي.
- مش وقته.. ومفيش جديد شوية نكد من كامل
وخلاص .. اتعودت.
لم تجد فرح أي كلام تواسي به صديقتها.. فقد
حذرتها من قبل من زيجتها، ولكن سلمى لم تستمع للنصائح.
غادرت سلمى.. وطلبت فرح من صلاح أن يقود
السيارة بدلًا منها.
* * *
فتحت فرح باب الشقة وأغلقته بهدوء حتى لا
تزعج والديها النائمين في هذه الساعة المتأخرة.
فُتِح نور الصالة فجأة.. انتفضت.. وجدت
والدها أمامها يصرخ بأعلى صوته:
- جاية تتسحبي كده ليه يافرح؟
ردت بعد أن استوعبت المفاجأة:
- مش بتسحب انا بس فاكراكم نايمين.
- وإيه اللي مخلّي الزفت ده يركن عربيتك
وينزل منها.. قبل ما تنكري أنا كنت واقف وشفتكم.
جاءت والدتها وأم صابر تهرولان على صوت صراخ
محمد.
ردت فرح على والدها بصوت مختنقٍ:
- أنا مقلتش إني جاية بدري وحضرتك عارف اني
في فرح اميرة.. وصلاح كان معايا ولو سألتني قبل ماتزعق كنت هقول الحقيقة مش هكذب..
يابابا صلاح بقاله شهور بيطلبني منك وكل مرة تقوله حجة شكل .
- مش هتتجوزيه يافرح.
لم تستطع فرح أن تحبس دموعها أكثر من ذلك، ردت
وهي تبكي:
- ليه.. مش هتجوزه ليه؟ أنا بحبه وهو
بيحبني.
اقتربت منها أم صابر تهدئها:
- تعالي يا فرح.. مش وقته.
أما والدتها فتدخَّلت:
- بالراحة يامحمد.. الكلام ميبقاش كده.
- أنا ليه اجوّز بنتي الوحيدة لواحد طمعان
فيها.. ليه.. إيه اللي يجبرني على كده؟
- يابابا طمعان في إيه بس.
- في فلوسى اللي هتبقى فلوسك.. إنتي مش
شايفاه كحيان هو وأهله.
- طيب انا وهو مش عايزين منك أي مساعدة.. وافق
بس اننا نتجوز.. مش عايزين أكتر من كده .
محمد ناهيًا كلامه بحسم:
- مش هتتجوزيه يا فرح.. هتتجوزي واحد من
مستوانا يليق بيكي وبيا.. مش هرمي فلوسي وشركتي اللي تعبت فيها لواحد ضحك عليكي بكلمتين
حب.
*
* *
4
بعد خمس سنوات
في هذا المكتب الفسيح.. ذي الأثاث الراقي، تجلس فرح على
مقعدها الوثير.. تقلب أوراق أمامها، تسمع طرقات الباب.. ترفع عينيها في انتظار
دخول سكرتيرتها أو أحد موظفي الشركة.. يُفتح الباب.. يدخل عماد ويجلس أمامها:
- خلّصتى؟
ترد باقتضاب:
- إنت رجعت على الشركة ليه ومروّحتش من برة برة؟
- رجعت علشان نروّح مع بعض .
- النهارده الخميس وانا هتغدا عند ماما.. إيه اللي اتغير؟
- هو فيه مشكلة لو جيت معاكي عند مامتك؟
ردَّت وهي تلملم أوراقها في ملف.. وأشياءها الخاصة تضعها
في حقيبتها:
- أبدًا ولا مشكلة ولا حاجة.. عايز تيجي تعالى.
هبَّ عماد واقفًا.. سار بجوارها وهي متجهة للباب..
التفتت له:
- إشمعنى النهارده؟
- مالك يافرح.. بقالك فترة كده متغيرة معايا؟
- متغيرة في ايه؟
- بتبعدي عنِّي.. مبقيناش زي الأول.
- إحنا في الشركة ياعماد.. لينا بيت نتكلم فيه.
- ماشي يا فرح.. لازم نتكلم واعرف مالك متغيرة كده ليه.
*
* *
في منزل والدة فرح.. يجلس ثلاثتهم على السفرة لتناول
الغداء..
زينب: منور
ياعماد.. إعزمي على جوزك يا فرح.
فرح: أجيبلك حاجة؟
عماد: لأ شكرًا.
وبابتسامة متوددة من عماد لحماته:
- طنط.. عايز اشتكي لك من فرح.
اندهشت فرح.. تركت
الشوكة من يدها باستياء:
- تشتكي من إيه؟
تجاهل عماد كلامها..
أكمل لحماته:
- فرح مش راضية تبطل حبوب منع الحمل.. من أول يوم جواز
وهي بتاخدها وانا نفسي اخلّف.
زينب باستغراب:
- ليه كده يافرح؟؟ فيه واحدة في الدنيا منفسهاش تبقى أُم؟
- لأ طبعًا ياماما نفسي وكل حاجة.. بس مستنية شوية.
عماد: مستنية إيه.. وهتستنى لإمتى؟؟ لحد ما متلحقيش
تخلّفي
استاءت زينب من كلامه، شعرت أنه يريد تذكرتها بأن ابنتها
تخطت الثلاثين وربما قد تصل بعد بضع سنين إلى سنٍّ تفقد فيه قدرتها على الإنجاب.. مشاعر
متداخلة من الضيق لأنها ابنتها والتسليم بالحقيقة.. فهو لم يكذب ومن الطبيعي أن
تتخذ قرار الإنجاب قبل فوات الأوان .. لا أن تؤجله.. وردت عليه زينب:
- إيه الكلام ده ياعماد؟ هي لسه صغيرة مش كبيرة للدرجة
دي علشان تقولها كده.
تراجع عماد وتكلم
بابتسامة بعد إحساسه بضيق زينب:
- طبعا يا طنط.. أنا بس نفسى نخلف عيل واتنين وهى لسه
صغيرة كده.
غيرت فرح الموضوع:
- داداااااا.. اعملي لي قهوة لحد ما اغسل إيدي.
تركتهما فرح وذهبت للحمَّام.
مال عماد على حماته.. وبصوتٍ هامس:
- شايفة.. أهي اتقمصت.. بقالها فترة كلامها قليل معايا
ومتغيرة وانا مش عارف مالها.
- ما انت أكيد زعلتها.. بنتي وانا عارفاها لما بتزعل
بتخبي ف نفسها.
- والله ما عملتلها حاجة.. أنا مِلك إيديها وبحبها ومش
عايز يبقى بيننا أي مشاكل.
صوت خطوات فرح عائدة من الحمَّام.. نهض عماد:
- طيب انا نازل مش عايزين حاجة؟
ردَّت عليه والدة فرح:
- ما تقعد يا ابنى
- عماد معلش.. هروح ازور ماما وبعدين هروح لاصحابي.. هتروّحي
إمتى يا فرح؟
- زي كل خميس .. بعد ما اقابل البنات في النادي.
* * *
فرح في حجرتها في بيت والدتها.. على السرير، متكئة على
وسادتين وبين يديها ألبوم صور
تقلِّب بين طياته وتتذكر طفولتها السعيدة بين والديها.. يقاطعها
دخول زينب.. وجلوسها على حافة السرير، تُعدل فرح من جلستها.. لتصير جالسة أمام والدتها.
أخذت زينب الألبوم.. نظرت للصور.. وبتنهيدة عميقة: الله
يرحمه.
ردت فرح تأكيدًا:
- الله يرحمه .. مش ناوية يا ماما تسمعي كلامي بقى؟
- على إيه؟
- أشوف لك شقة جنبي بدل هنا.
- وانا إيه اللي يوديني حتة معرفهاش وسط ناس معرفهمش.. أنا
مش هسيب بيتي يا فرح.
- هتعملي زي بابا الله يرحمه برضو.. البيت هنا قديم وانا
عايزاكي تيجى جنبي.
- مش انتي بيتك في الحتة اللي اخترتيها.. خلاص سيبيني
براحتي، أنا مبسوطة هنا.
وبنبرة جدية.. أكملت:
- قوليلي بقى يا فرح.. مالك؟؟ مانعة الخلفة ليه؟
وبصوت صادق ردَّت فرح:
- مش مانعاها.. أنا بس مأجلاها .
- ليه؟؟ عماد معاه حق.. هتخلفي إمتى وانتي عديتي
التلاتين؟
تضحك فرح لتختصر الكلام في ما لا تريد:
- مكبرتش أوي يعني.
نظرت لها زينب في عينيها مباشرة.. بعدت فرح نظراتها عن
والدتها:
- عماد معاه حق
انتبهت فرح لكلامها:
- في ايه؟
- انتي متغيرة.. مالك؟ مخبية إيه عني؟
دمعت فرح.. احتضنتها زينب بحنان:
- مالك؟؟؟ طمنيني مالك؟
- مخنوقة ياماما .
- من إيه يا حبيبتي.. احكي لي.
مسحت فرح دموعها
.. قامت تنظر في المرآة:
- شفتي الماسكرا هببت عيني.
- متتهربيش يا فرح.. بلا ماسكرا بلا زفت .. إحكي لي
مالك؟
فرح تحاول البحث على مبرر:
- أبدًا.. هو بس بيزن على الخلفة وانا مش عايزة دلوقتي.
- ليه؟
- علشان الشركة ياماما.. هتلبخ بعيال ومين يخلي باله من
شركة بابا الله يرحمه.
- ياسلاااام.. ما كلها موظفين يقدروا يمشوها لو حتى غبتي
سنة.. وقلقانة ليه مش جوزك عارف شغل الشركة ويقدر يراعيها ف غيابك؟
- أه عارف.. بس ..
- بس ايه.. انتي مبسوطة مع جوزك؟
- الحمدلله
- صوتك وشكلك بيقول غير كده؟؟
فرح بتتنهُّد:
- حاسة اني اتسرعت في الجوازة دي.
- ليه؟
- محبيتوش وبفكر اطلب الطلاق.
صرخت الأم :
- يعني إيه محبيتهوش.. انتى حد غصبك عليه ولا عرفتي ان
صلاح رجع؟
قطعت زينب كلامها.. تلاقت نظراتهما لحظة وكل منهما لديها
الكثير من الكلام.. كل منهما مترددة .. هل تكمل الحديث أم تتوقف.